حافظ إبراهيم 17-6-1929م

اغتنم المجمع وجود شاعر النيل حافظ بك إبراهيم في بيروت فدعاه إلى دمشق، فأجاب الدعوة، وأقام له المجمع حفلة تكريم كبرى في المدرسة العادلية (مقر المجمع).

ولما حان موعد الحفلة مساء الإثنين 17 حزيران 1929م غصَّت دار المجمع بجمهور المدعوين يتقدمهم رئيس الوزراء في الدولة السورية الشيخ تاج الدين الحسني وعدد من الوزراء وطائفة من أعضاء المجلس التأسيسي ومئات غيرهم من أهل الفضل والأدب وعشرات من فضليات السيدات في دمشق في مكان خاص بهن.

وقبل افتتاح الحفلة قام رئيس الوزراء وعلَّق على صدر المحتفى به الشاعر حافظ إبراهيم وسام الاستحقاق السوري، زيادة في تكريمه والحفاوة به. ثم علَّق وسام الاستحقاق على صدر الشاعر خليل مطران الذي قدم بصحبة صديقة حافظ إبراهيم.

وقائع الحفلة

  1. مقدمة

  2. خطبة الأستاذ محمد كرد علي.

  3. قصيدة للأستاذ فارس الخوري.

  4. قصيدة للأستاذ شفيق جبري.

  5. قصيدة للشاعر خليل مطران.

  6. بيتان من الشعر للشاعر حافظ إبراهيم.

الشاعر حافظ إبراهيم

 

مقتطفات من خطبة الأستاذ محمد كرد علي

"يا سيداتي ويا سادتي:

إذا رحَّب أهل هذه الديار بحافظ إبراهيم بك، فإنما يرحبون بنابغة عظيم في الشعر العربي، أخرجه من ثيابه البالية وألبسه من عبقريته ثوبًا جميلًا شفافًا يليق أن تظهر به أمة كانت أعظم أمم الأرض بحضارتها وآدابها، وهي تحرص اليوم أن تسترد ذاك الماضي الباهر مطبوعًا بطابع العصر الحديث.

ليس شاعر النيل من الرجال الذين يحتاجون إلى التعريف بهم والترجمة لهم، فشعره كالأمثال السائرة وقصائده يحفظها الرجال والنساء، وله من الحرمة في كل قلب ما لا يقل عن إعظامنا لأكبر شاعر من شعرائنا في الدهر الغابر.

وكلُّ هذا لأنه صرَّف الشعر منذ نشأته في الأغراض الشريفة، صرَّفه في رفع مستوى الأمة في العلم والعمل، فوصف داءها ودواءها، وهزَّ بوعظه أوتار قلوبها، فكان شاعر الاجتماع غير مدافَع لابتداعه طريقة جديدة في تثقيف العقول وتهذيب الملكات، فكان بتأثير شعره مرشدَ أمته ولسانَها الناطق بالحق.

ومهما بالغنا معاشر الشاميين بالحفاوة بشاعر النيل فإننا نرد عليه الآن واحدًا من مئة مما أسداه إلينا خاصة وللأمة العربية عامة. هو خلَّد أعمال الشاميين بشعره الخالد، فلا عجب إذا احتفلت به عاصمة الأمويين اليوم بجميع طبقاتها، فإنه السابق إلى الفضل والإحسان...

عشق حافظ الشام ولم يطوِّف أرجاءها ولا رأى أرضها وسماءها، وعاشر الشاميين وحنا عليهم، وذَكَرَهم في شعره يهزّ بإقدامهم نفوس الخاملين من المصريين ليحذوا في الكسب حذوهم ويضربوا في الآفاق على مثالهم:

ورجال الشآم في كرة الأر

 

ض يبارون في المسير الغماما

يمتطون الخطوب في طلب العيـ

 

ـش ويبرون للنضال السهاما

وقال في اتحاد مصر والشام في الجنس واللغة وتشاركهما في الهناء والشقاء:

ركنان للشرق لازالت ربوعهما

 

قلب الهلال عليها خافق يجب

خدران للضاد لم تهتك ستورهما

 

ولا تحوَّل عن مغناهما الأدب

إذا ألمَّت بوادي النيل نازلة

 

باتت لها راسيات الشام تضطرب

وقال من أبيات:

أبتْ أُميةُ أن تفنى محامدها

 

على المدى وأبى أبناء غسان

فمن غطارفةٍ في جلَّق نُجُبٍ

 

ومن غطارفة في أرض حوران

عافوا المذلَّة في الدنيا فعندهم

 

عزُّ الحياة وعو المت سيَّان

ولا يبالون إن كانت قبورهم

 

ذرا الشوامخ أو أجواف حيتان

في الكون مورقهم في الشام مغرسهم

 

والغرس يزكو نقَّالًا بين بلدان

يا أخي حافظ: إنا نحييك معترفين ببعض أياديك البيضاء، نحيي في شخص شاعر النيل أبناء النيل الأعزة، نحيي بك مصر المحبوبة والنبوغ المصري. ومتى رجعت بالسلامة إلى مطلع شمسك، فاقرأ على أهلك وعشيرتك سلام جيرانهم في الشام...

هذا، واللهُ يمتِّع الأمة بحياة حافظ، ويزيد في هنائه وسعادته."

مقتطفات من قصيدة فارس الخوري

ليالي التصابي قد جفاني حبورها

 

ولِـمَّتي السوداء أسفر وجهها

ومَن لي بإنكار الحقيقة بعدما

 

تجلَّى على وجهي وفَودي نذيرها

........

 

........

أسفت على عهد الشباب ولم تعد

 

تشير لنفسي مقلة وفتورها

وأدنتني الأيام من هوة الوَنَى

 

فأصبح مني قاب قوس شفيرها

وكادت صروف الدهر تطوي صحائفي

 

وهل بعد هذا الطي يرجى نشورها

........

 

........

همام له في النائبات مواقف

 

يقصِّر عنها كهلها وطريرها

غنيٌّ عن الدنيا فلا تستفزُّه

 

خزائن أرباب الغنى وأثيرها

........

 

........

وقفتُ أُحييه عن المجمع الذي

 

له رتبة فيه قليل نظيرها

ومَن لي بتحليق إلى أوج فضله

 

وأين لهذا همتي وقصورها

أحافظ حيَّيت الشام تحيةً

 

يفوق عبير الروض منها عبيرها

زففت لها الشعر النفيس عرائسًا

 

بجانبها تخفى وتخسف حورها

وألبستها ثوبًا من الحمد دونه

 

حدائقها في زهوها وزهورها

وأوليتها فخرًا على الدهر خالدًا

 

يعزُّ بها لبنانها وسنيرها

دمشق تحيي فيك حرًّا بشعره

 

تغنَّت وتاهت غيدها وطيورها

فكم من فتًى بالشام أنت سميره

 

وكم من فتاة أنت أنت سميرها

سقيت ربوع النيربين بسلسل

 

من الشعر صافٍ أين منه نميرها

سطرت عليها من جميلك آية

 

حليفة خلد ليس تمحى سطورها

........

 

........

هنيئًا لهذي الدار بعث فخارها

 

فأخطلها في عقرها وجريرها

ولو كان شوقي حاضرًا أحرزت به

 

فرزدقها والكل منهم أميرها

فيا شعراء النيل إن قريضكم

 

خزائنه عند الشام صدورها

أقمتم لأهل الضاد في مصر دولة

 

أريكتها أنتم ونحن ثغورها

مقتطفات من قصيدة فارس الخوري

أنشدت شعرك في أفياء لبنان

 

فرحت أغمز وسواسي وشيطاني

بالأمس شوقي على أفناننا غَرِدٌ

 

واليوم حافظٌ ميَّاد بأفنان

........

 

........

سرْ في دمشق ونادمْ إن نزلت بها

 

عصابة نادمتهم روح حسان

خلت دمشق من التيجان وانبسطت

 

أمية في الحمى من غير تيجان

لم يبق من عبد شمس غير خاطرة

 

أروي مغارسها من ماء أجفاني

يبلى الجديدان ما تبلى مناقبهم

 

في النيربين إذا كر الجديدان

........

 

........

تحية يا ضفاف النيل طيبة

 

تجري بها الريح في شيح وحوذان

إذا بكت جنبات النيل من ألـمٍ

 

بكت دمشق بدمع منه هتَّان

تضمنا لغة لم يمح رونقها

 

زحف السنين بآلام وأشجان

إذا التففنا غصونًا في شدائدنا

 

فما تطيق الليالي هصر أغصان

لولا قوافٍ بوادي النيل ننشدها

 

في غوطة الشام أو في أرز لبنان

لقطعت بيننا الأرحام واضطربت

 

بنا الوساوس في وصل وهجران

هذي دمشق فغرِّد في حدائقها

 

أغرودة الدهر تشجي كل أسوان

واندب أمية في شعر تسيل به

 

بطاح جلَّق في ظعن وركبان

مقتطفات من قصيدة خليل مطران

جزيت عنا الخير يا مجمعًا

 

رجاله علية أهل الأدب

رئيسه مَن هو فاذكر له

 

ما شئته من نسب أو حسب

وصحبه في نخب الشرق من
 

 

أهل الحجا والعلم أصفى النخب

........

 

........

صحبت من مصر أخي حافظًا

 

وحافظ أنبل من يصطحب

حتى حججناها فيا لطف ما

 

فيها لقينا من جزاء النصب

جنة عدن طالعتنا بما

 

سرَّ وسرَّى وشفى من وصب

فالطائر الغرِّيد في روضها

 

أسكته حينًا تناهي الطرب

إن تستزيدوه ففي قابلٍ

 

يسمع منه كلكم ما أحبّ

البيتان اللذان ختم بهما حافظ إبراهيم هذه الحفلة

شكرت جميل صنعكمو بدمعي

 

ودمع العين مقياس الشعور

لأول مرة قد ذاق جفني

 

على ما ذاقه دمع السرور