المجمع العلمي العربي بدمشق في سنواته الخمس الأولى

كان المجمع العلمي العربي يعرف لأول أمره بالشعبة الأولى للترجمة والتأليف، التي أسست على إثر تأليف الحكومة العربية في أواخر خريف سنة 1918م، ثم جعلت هذه الشعبة ديوان المعارف وعين الأستاذ محمد كرد علي رئيسًا لها في 12 شباط 1919م موكولاً إليها النظر في أمور المعارف والتأليف، وتأسيس دار آثار، والعناية بالمكتبات ولا سيما دار الكتب الظاهرية. ثم انقلب هذا الديوان بأعضائه الثمانية (أمين سويد، أنيس سلوم، سعيد الكرمي، عبد القادر المغربي، عيسى إسكندر معلوف، متري قندلفت، عز الدين آل علم الدين، الشيخ طاهر الجزائري) ورئيسه إلى مجمع علمي في 8 حزيران 1919م، وأخذ على نفسه النظر في إصلاح اللغة، ووضْع ألفاظ للمستحدثات العصرية، وتنقيح الكتب، وإحياء المهم مما خلفه الأسلاف منها، والتنشيط على التأليف والتعريب.


كان المجمع أولاً يعقد جلساته في إحدى الغرف العلوية من دار الحكومة. ثم بعد إصلاح قسم من مبنى المدرسة العادلية، نقل إدارته إليها وعقد أول جلساته فيها في /30/ تموز سنة 1919م، و/3/ ذي القعدة سنة 1337هـ. واشترى المجمع كتبًا ومكتبات برمتها تحتوي أنفس المخطوطات وأندرها وأبعدها زمنًا. واجتلب كتبًا في اللغات الفرنسية والإنكليزية والألمانية حتى بلغ مجموع ما جمعه من الكتب زهاء /3000/ كتاب...

ولم تكن عناية المجمع بجمع الآثار للمتحف بأقل من ذلك. فجمع منها ألوفًا ما بين تماثيل حجرية وأوان معدنية وزجاجية وخزفية، ومجاميع نقود ذهبية وفضية ونحاسية، وأسلحة وصفائح حجارة مكتوبة، وأدوات أخرى مختلفة.

ومن هذه الآثار ما هو ذو شأن عظيم قد لا يوجد نظيره في كثير من المتاحف: من ذلك سيف أبي عبيدة بن الجراح فاتح دمشق رضي الله عنه، ودينار ذهب ضرب في عهد الخليفة محمد المهدي بن المنصور العباسي بتاريخ /167هـ/ إلخ. وقد ألف المجمع من أعضائه لجنتين: لجنة لغوية أدبية تبحث في لغة العرب وآدابها وطرق ترقيتها، ولجنة علمية فنية تبحث في توسيع دائرة العلوم والفنون في بلادنا السورية

وألف أيضا لجنة من المختصين في معرفة الآثار، تجتمع في دار المجمع يومين في الأسبوع للنظر فيما يعرض على إدارة المجمع من الآثار، ونقد غثها من سمينها وتحديد أثمانها، ولجنتين أخْرييْن إحداهما لتتبع الآثار القديمة والبحث عنها خارج دمشق من جهات سورية، وجلب ما يمكن جلبه منها، فذهبت إلى تدمر وجلبت منها ومن حمص بعض القطع الحجرية القديمة. وكتبت تقريرًا بشأن الآثار والملاحظات التي رأتها في رحلتها... أما اللجنة الأخرى فلتتبع الآثار القديمة في دمشق... وكتب المجمع منشورًا باللغتين العربية و(الفرنسوية) ضمنه ملخصًا من أخباره وأعماله في هذه المدة، ووزعه على المجامع العلمية ودور الكتب والجامعات وأمهات المجلات في أوروبا وأميركا وغيرهما، ليكون له بذلك صلة تعارف وارتباط بها، فتهدي إليه من آثارها ومجلاتها.


وعزم المجمع على أن يكون له أعضاء شرف في دمشق وخارجها يمدونه بآرائهم ونفثات أقلامهم من وقت إلى آخر. كما عزم على إنشاء مجلة له باسم (المجمع العلمي العربي) ولكن حال دون ذلك كله بل دون إتمام ترميم المدرسة العادلية نفسها ما ارتأته الحكومة العربية من لزوم توقيف أعمال المجمع توقيفًا موقتًا، وذلك لأسباب معظمها اقتصادي. وأبقت من أعضائه عضوين فقط لكي يشرفا على أعماله ومحتوياته فلا تغتالها أيدي الضياع. وهكذا تعطل المجمع بعد أن عقد من جلساته (75) جلسة فقط: أولها في /30/ تموز سنة 1919م، وآخرها في /29/ تشرين الثاني سنة 1919م أي مدة أربعة أشهر. وبقي من ذلك الحين متوقفًا عن العمل على رجاء أن يعود إلى سابق تأليفه من أعضائه الأولين أو معظمهم كي يتساندوا جميعًا على خدمته وتوفير المساعي في استكمال أعماله.

ثم عهد إلى الأستاذ محمد كرد علي في /7/ أيلول سنة 1920م بوزارة المعارف فعاد المجمع إلى تنظيم جلساته، ثم ضم عضوين آخرين من أعضائه القدماء فأصبح أعضاؤه أربعة (الشيخ سعيد الكرمي، وأنيس أفندي سلوم، والشيخ عيد القادر المغربي، وعيسى أفندي إسكندر المعلوف).

ومن المهمات التي نهض بها المجمع في هذه السنوات:

1-إصلاح الكتب التي عرضها مؤلفوها على المجمع، بناء على قرار مجلس المعارف الكبير المؤرخ في /17/ أيلول سنة 1921م، القاضي بإحالة الكتب المدرسية على المجمع العلمي العربي ليصحح أسلوب إنشائها.

2-إصلاح لغة الكتاب، وذلك بنشره على صفحات مجلته وغيرها من الصحف مقالات عنوانها (عثرات الأقلام).

3-وضع ألفاظٍ للمستحدثات العصرية، وتعريب بعض الألفاظ خدمةً لدوائر الحكومة ومعاهد التدريس.

4-نشر بعض الكتب.

5-إلقاء محاضرات.

6-إلقاء محاضرات للسيدات (أخلاقية أدبية) عليهن وحدهن مرتين في الشهر، وينتخب المجمع المحاضر من شيوخ العلم المعروفين. وتدير الحفلة إحدى المعلمات الفضليات.

7-نظر في قانون المجمع فألفت لجنة للبحث فيه وتهذيبه.

8-معاضدة جمعية إحياء الصناعات الوطنية بعرض مصنوعات المدينة في قاعات المتحف، فكتب بذلك إلى رئيس غرفة التجارة.

9-تزويد المكتبة الظاهرية بالكتب والمخطوطات.

10-تزويد المتحف الموضوع تحت نظارة المجمع بما أهدي إليه من أشياء نفيسة.

11-الاطلاع على قرار تأسيس جامعة سورية مؤلفة من المجمع العلمي ومعهدي الطب والحقوق ومدرسة الآداب [صدر بلاغ تأسيسها في 15 حزيران 1923م].


ما بعد السنوات الخمس الأولى

بعد سنة 1923م واصل المجمعيون تعريب لغة الدواوين وإدارات الدولة ومؤسساتها ووضع المصطلحات المقابلة لما بقي متداولاً من الكلمات التركية، ووضع مقابلات عربية لألفاظ الحضارة المستجدة. وبعد الوحدة السياسية الاندماجية بين سورية ومصر سنة 1958م صار اسم مجمعنا مجمع اللغة العربية بدمشق وأنشئت فيه لجان جديدة. وواصل المجمع أعماله القديمة من تحقيق للتراث وتأليفٍ للكتب وإلقاءٍ للمحاضرات، فضلاً على وضع المصطلحات أو تعريبها.

وفي بداية القرن الحادي والعشرين صدر القانون /38/ بتاريخ /29/ أيار سنة 2001م الذي حدد هوية المجمع وأغراضه ومهامه، وسمى لجانه العلمية الدائمة الست عشرة، وأجاز له تأليف لجان دائمة ومؤقتة أخرى، ونص على أن أعضاءه عاملون، وأعضاء شرف، وأعضاءٌ فخريون وأعضاءٌ مراسلون.

وبتاريخ /11/ أيلول سنة2008م صدر المرسوم التشريعي /50/ الذي أنهى العمل بالقانون /38/ المذكور آنفًا، بعد أن أدخل عليه إضافات وتعديلات مهمة.

وتنص المادة /7/ من هذا المرسوم على أنه يشترط في عضو المجمع أن يتحلى بصفة أو أكثر من الصفات التالية:

  1. الاطلاع الواسع والعميق على علوم اللغة العربية وآدابها، والأصالة في البحوث اللغوية والأدبية.

  2. الإنتاج اللغوي أو الأدبي أو العلمي الرفيع في مجال اللغة العربية.

  3. التخصص في أحد ميادين المعرفة، مع إتقان لغة أو أكثر من اللغات الأجنبية الحديثة أو القديمة والتمكن من قواعد اللغة العربية.

  4. الاهتمام البالغ بالتراث والمخطوطات العربية مع دراية تامة بعلوم اللغة العربية.

  5. التخصص في تاريخ الأمة العربية أو آثارها أو تراثها اللغوي أو العلمي أو الأدبي، مع التمكن من قواعد اللغة العربية.

  6. وفي جميع الأحوال ينبغي أن يكون العضو المنتخب ذا سيرة علمية وأخلاقية حميدة، وأن يكون قادرًا على ممارسة مهامه.

- أغراض المجمع كما جاء في قانون المجمع ذي الرقم /50/ الصادر بتاريخ /14/ أيلول سنة 2001م:

  1. المحافظة على سلامة اللغة العربية وجعلها وافيةً بمطالب الآداب والعلوم والفنون وملائمةً لحاجات لحياة المتطورة.

  2. وضع المصطلحات العلمية والفنية والأدبية والحضارية ودراستها وفق منهجية محددة والسعي في توحيدها ونشرها في سورية والوطن العربي.

  3. العناية بالدراسات العربية التي تتناول تاريخ الأمة العربية وحضارتها وصلتها بالحضارات الأخرى.

  4. العناية بإحياء تراث العرب في العلوم والفنون والآداب تحقيقاً ونشراً.

  5. النظر في أصول اللغة العربية وضبط أقيستها وابتكار أساليب ميسرة لتعليم نحوها وصرفها وتوحيد طرائق إملائها وكتابتها والسعي في كل ما من شأنه خدمة اللغة العربية وتطويرها وانتشارها.

  6. الحد من استفحال العامية في مختلف المجالات.

  7. النظر في كل ما يرد إلى المجمع من موضوعات تتصل بأغراضه.

وتتلخص أعمال المجمع الآن ومناشطه في الآتي:

  1. أعمال لجانه.

  2. أعمال مجلسه الذي يضم جميع الأعضاء ويعقد جلسة كل أسبوعين، ويمكن أن يعقد جلسات استثنائية.

  3. أعمال مكتبه الإدارية - المالية، وهو يعقد جلسة كل أسبوعين، أو عند الحاجة.

  4. إقامة ندوات علمية.

  5. إقامة مؤتمر سنوي.

  6. إصدار مجلة فصلية محكَّمة، تنشر بحوث أعضائه ودراساتهم ومقالاتهم، وما يرد عليها من الأعضاء المراسلين أو العلماء والأدباء.

  7. السعي لاستصدار قانون حماية اللغة العربية.